Thursday, January 14, 2010

شركاء فى مؤامرة الحب




الكل يعرف أن (الخالة سناء) لا تتسامح أبدا مع فتح النوافذ، كونها مصابة بحساسية الصدر وتسكن فى الطابق الأرضى، وموسوسة من جهة التراب الذى يكسو أثاث البيت- بمجرد فتح النافذة- فى دقائق معدودات.
الكل يعرف أن وجهها البشوش الطيب مع أبناء أختيها يختفى فورا إذا طال فتح الباب أكثر من الثوانى اللازمة لدخول أو خروج. أما الذى يتجرأ على فتح النافذة- ولو فى أشد أيام الصيف حرارة- فذلك مطرود من جنتها. وجنتها هى المتنفس الوحيد لأطفال ومراهقين يحبون خالتهم اللطيفة التى تجيد الحكايات وصنع الكعك الساخن.
الخالة سناء هى الكائن الوحيد فى عالم الكبار الذين يستطيعون الإفضاء لها بأسرارهم الصغيرة دون خوف، وحتى قصة الحب الوليدة بين سوسن وعمرو قرأتها فى نظرات الولد صوب بنت خالته قبل أن تلاحظها سوسن.
كانت البنت الحلوة ذات الستة عشر ربيعا تجلس جوارها على الأريكة مثل قطة جميلة، وتشد تنّورتها دون وعى لتغطى ركبتين بدأتا فى الاستدارة. كانا يشاهدان معا تمثيلية السهرة حين دلتها حاستها المرهفة إلى نظرات عمرو المختلسة إلى سوسن. لم تُظهر أنها لاحظت ولا أرادت إحراجه.
وبرغم أنها بلغت الخمسين دون زواج فقد عاشت عمرها فى انتظار الحب. لذلك كان يتملكها ضعف دائم صوب عذوبة البدايات، وكثيرا ما كانت تطفئ النور تتأمل الخيالات المتراقصة على السقف وتشرد فى عالم جميل كله فرسان لا يكفون عن النبل وأميرات لا يسأمن انتظار فرسانهن.
وألقت نظرة طويلة فاحصة على البنت الغائصة فى المقعد الوثير جوارها فى سكينة وارتياح، وقد ثنت ركبتها تحتها وغطتها بيديها فى حياء طبيعى غير مفتعل، وقيمت الموقف بنظرة واحدة- وكانت قلما تُخطئ فى شؤون العاشقين-: البنت لم تقرأ بعد لغة النظرات، لكنها ستقرؤها وستتقنها، وستذهب السكينة وراحة البال.
لم تتابع أحداث المسلسل رغم تحديقها المستمر فى خيالات الشاشة الفضية. من حسن الحظ أن النور كان مطفأ وإلا شاهد العزيزان ملامح التأثر بادية على وجه الخالة الطيبة. حينما انتهى المسلسل وأُضيئت الأنوار استطاعت بالكاد أن تستعيد ملامحها العادية، وانفلتت سوسن من جوارها قطة شهية تضحك وتلعب وتجرى، غافلة- بشكل مؤقت- عن الحب، همومه وأفراحه.
فى المساء التالى غادرت المنزل فى أمر عاجل وهم يلعبون. حينما عادت استنشقت الغبار قبل أن ترى النافذة المفتوحة على مصراعيها، والتراب يكسو المنضدة السوداء. وقبل أن يعلو صوتها غاضبا لمحت كتابة على التراب، قرأت -وقلبها يدق- كلمة «أحبك» مكتوبة بالأصابع بحروف واضحة قوية.
واضطرب قلبها كما يحدث دائما فى تلك الظروف، وبقيت تنظر مليا إلى الكلمة السحرية، وهمت بتنظيف المنضدة لكن يدها لم تطاوعها، فتنهدت وأغلقت النافذة. كان عمرو قد غادر البيت، وبقيت سوسن تتابع المسلسل كالمعتاد. على الفور شعرت بشيء مختلف فى جلستها وشرودها وملامح وجهها. كان واضحا أنها قرأت الكلمة المكتوبة بالأصابع على التراب.
وانتهى المسلسل دون أن تسمع إحداهما كلمة واحدة، وانصرفت سوسن شاردة بعد أن قبّلت خالتها التى لم تبد لها أنها لاحظت شيئا. لم تشعر برغبة فى تناول العشاء وإنما رقدت على السرير عالمة أن النوم لن يأتى بسهولة هذه الليلة، وراحت تحملق فى الخيالات المضطربة وقلبها يدق بقوة وانفعال.
فى الشهور التالية دارت مسرحية صامتة بين أطرافها الثلاثة. بالتأكيد كانا يعلمان أن خالتهما الحبيبة تتابع كل شىء، ولعل رقابتها ورعايتها الصامتة كانتا مطلبهما من البداية. فى البدء ظلت الكلمة السحرية تُكتب فى إصرار بخط أولادى قوى دون رد من جانبها، فى المساء الرابع قرأت كلمة (وأنا) مكتوبة بخط بناتى متردد.
فى المساء التالى عادت الكلمة تتردد ومعها قلب، فردت بدمعة، رسم سهما يخترق قلبا، فرسمت زهرة، كتب الحرفين الأولين من اسميهما، فكتبت اسمه. بعد شهر كان الخط البناتى الخجول قد اكتسب بعض الجرأة، وكانت ليلة استثنائية حين قرأت الخالة الكلمة السحرية (أحبك) مكتوبة بخط بناتى أنيق ومعتنى به.
المهم أنه منذ ذلك الحين، ولفترة طويلة قادمة، صارت الخالة سناء تتعمد فتح النوافذ، وتؤنب الأطفال إذا أغلقوها بعد أن صار التراب شريكها الصامت فى (مؤامرة الحب)ز

بقلم د. أيمن الجندى "المصري اليوم " - ١٤/ ١/ ٢٠١٠

2 comments:

Anonymous said...

ثقافة الهزيمة.. أسكندرية ليه؟

مصر تركز فى الدعاية و التسويق السياحى بالخارج على السياحة فى البحر الأحمر و سيناء و الرحلات النيلية من القاهرة لأسوان ، و هناك تصور خاطئ بأن الأسكندرية هى للسياحة الداخلية بالأضافة لبعض السياح العرب خاصة من ليبيا و هذا فقط فى شهور الصيف، و عندما شاهدت درجات الحرارة بمدينة الأسكندرية طوال العام فهى حتى فى شهور الشتاء تتراوح ما بين 8 و 18 درجة مئوية ، و هى تعتبر دافئة بالنسبة لسائح من أوروبا فينبغى عمل تخطيط لجذب ملايين من السياح الأجانب على مدار العام للأسكندرية، سيما أن هناك مواسم أجازات فى أوروبا و أمريكا فى الشتاء يستغلها الكثيرين للسفر و السياحة.

الأسكندرية مدينة تاريخية و لا تقل بأى حال عن مدن اليونان و إيطاليا و هى تستحق الزيارة، الأسكندرية فقط بمفردها و بما بها من أمكانيات سياحية تحتاج فقط إلى تحسين فى البنية التحتية و زيادة الطاقة الفندقية مع التسويق الجيد ليزورها 10- 15 مليون سائح سنويا مثل دبى و سنغافورة...

باقى المقال ضمن مقالات ثقافة الهزيمة بالرابط التالى www.ouregypt.us

Unknown said...


thx

شركه تنظيف